إضاءة
كثيرٌ من التفاصيل في حياتنا يوجب النُّبل أن نُمِرّها ولا نُقِرّها، ونطويها ولا نرويها، وندفع بشرف وإباء ثمن السمو عليها، والكفاح الشريف ببدايات جديدة نحو إنجازات مجيدة. وإنّني إذ أكتب هذه السطور شكراً وامتناناً للذين رأوا لوجودي قيمةً بالحياة، وهم، بمعادنهم النّبيلة، أوعيةُ إحسانٍ يتداعى إليها الباحثون عن الأثرٍ الجميل، فإنّني أرجو أن تكون شعاعاً يستضئ به متسائلٌ عن أحد المدرجين بموسوعة القيادات العلمية التواصليّة، الحائزين على أوسمةٍ رفيعةٍ من بينها وساما: التحدّي، والمسئولية المجتمعيّة. وإن يكُ لتلك السطور غايةٌ عُظمى فهي أن تجدّد في قارئها توحيدَ الربوبيّة، وتدعوه إلى مراجعة فقه المسئوليّة، وتحثّه على الانسحاب الحكيم من الفوضى العامة وأوهامِها ومغانمها، إلى رحلته الخاصة وحقائقها ومغارمها.
الموضوع
في عام 2023 بدأتُ الدراسةَ بثلاث جامعات، تلبيةً لأسباب فرضتها اختياراتُنا بالحياة، وصراعاتها التي تخبرنا أنّ الضعف دعوةٌ للعدوان، ولتحقيق أهدافٍ أوجبتها رؤيتي للحياة، ومنهجي في إدارة العمر، وسعيي لاستكمال النسخة الأخيرة من شخصيتي، التي أرُوم الرحيل بها عن الدنيا حين توافني المنيّة.
أسباب
لقد كان تعليمي الجامعي الأول في مطلع تسعينيات القرن الماضي، بجامعة أسيوط بمصر كلية التربية قسم اللغة العربية، وقد حصلتُ في سنة الليسانس على امتياز في مادتي: النحو، والبلاغة، وجيد جداً في مادة الدراسات الإسلامية، إلّا أنّني لم أستطع الحصول على وثيقةٍ رسمية بهذه الدرجات، رغم حاجتي الشديدة إليها لمعادلتها بالتعليم العالي بتركيا، لاسيما أنّ جامعة أسيوط حكومية ومعترف بها في تركيا. فلم يكن من سبيل غير قول دريد بن الصمة:
"إذا لَم تَستَطِع شَيئاً فَدَعهُ، وَجاوِزهُ إِلى ما تَستَطيعُ."
كما إنّ شهادة اللغة الإنجليزية بالمستوى المتوسط لم تعد ترفًا يمكن تركه، بل شرطًا للالتحاق بالدراسة الجامعية الجادة، وضرورة في واقع لا يفاضل بين المهارات والشهادات، ولا يُغني فيه عنهما إلّا علاقاتٌ تتجرّد فيها من ضميرك وتدفن بها مبادئك.
إضافة إلى ما سبق فإنّ الطريق اليسير للالتحاق بجامعة الأناضول الحكومية كلية التعليم المفتوح، يتطلّب قيدًا جامعيًا نشطًا في جامعة تركية أخرى، لذلك كلِّه اخترتُ جامعة إسطنبول يني يوزيل قسم اللغة الإنجليزية وآدابها كجامعة أولى، وقدّمتُ قيدي بها للالتحاق بجامعة الأناضول فرع الإلهيات بالتعليم المفتوح كجامعةٍ ثانية. أمّا جامعة ميشيغان الأمريكية التي بدأتُ بها الرحلة قبل الجامعتين سالفتي الذكر، فكنتُ قد شرعتُ فيها بدراسة القيادة ومقرّراتها الدراسيّة بالشهادة التخصّصية عبر منصة كورسيرا. أرجو أن أكون بما أسلفتُ قد ذكرتُ بعض الأسباب الموجِبة للنّفير إلى الدراسة بثلاث جامعات بالتوازي لتحصيل معرفة واجبة، وحيازة وثائق لازمة، لتحقيق أهدافٍ سامية.
تحدّيات
إنّ إدارة الوقت والجهد، والتكلفة المادية، والضغوط النفسية والدراسية المؤثّرة على الجسد، هي تحدّيات بديهية في هذا المسار لمن يعيش بصحة 100%، فكيف بمن تبلغ درجةُ إعاقته الحركية 92%، ويحيا على الكرسي المتحرّك بطاقة 8%، بيد أنّه لم تكن تلك هي أكبر التحدّيات في تلك الفترة، وإنّما كان أشدُّها وأقساها هي صروف وظروف لن أنسى ما فعله نُبلاء لدفعها عنّي وإعانتي عليها.
نتائج
شاء اللهُ بفضله وتوفيقه أن تكون النتيجةُ التخرّجَ ونيلَ درجة الزمالة بمرتبة الشرف العالية من جامعة الأناضول، بعد اجتياز ثمانية امتحانات في فرع الإلهيات بكلية التعليم المفتوح، ونيل أربع شهاداتِ شرفٍ عاليةٍ خلال العامين الدراسيين بالجامعة. كما حصلتُ على الشهادة التخصّصية في القيادة من جامعة ميشيغان الأمريكية عبر منصة كورسيرا في ذات العام، بعد أن كنتُ قد أنجزتُ شهادة برنامج اللغة الإنجليزية من جامعة إسطنبول يني يوزيل في العام السابق، 2023/2024، الذي بدأتُ فيه الدراسة بالجامعات الثلاث. وقد سبق ذلك كلَّه الحصولُ على شهادة إدارة المشاريع من كورسيرا، لتكون هذه الإنجازاتُ خلاصةَ ما كنتُ منشغلاً به خلال الثلاثين شهرًا الماضية.
وإنّه لمن اليسير المفيد مطالعة جميع هذه النتائج بمصادرها ومناهجها الدراسية على حسابي بشبكة لينكد إن.
وقفة
إنّ اقتران اسم: حسن الخليفة عثمان علي أحمد، بمرتبة الشرف العالية في جامعة الأناضول، لم يكن هدفًا لذاته فحسب، بل وفاءً لنبلاء غمروني بجميل إحسانهم، وكرّموني حين جعلوني من صفوة المؤثرين في شخصياتهم، واللهُ يشهد أنّي في مسيرتي ما خنتُ يوماً الأمانة، ولا فرّطتُ في مسئولية، ولا خشيتُ في شأن أمّتي أحدًا من الخلق، مهما بلغ جبروته أو علا سلطانُه. وحين فرض الكفاحُ الشريفُ النزولَ إلى ساحة طلب العلم لاستيفاء شروط الجدارة المعاصرة، بادرتُ متحمّلًا المشاق، مستعينًا بالخالق الرازق، الذي لا يكون في كونه إلا ما يريد، وقد أحسن بي إذ أنعم عليّ في حياتي بقلعةِ حب، وأنبل رفيقة، وأعظم مُعينة.
تواصلٌ ورسالة
إنّ السعي لنمذجة النُّبل واقعاً، وتأسيس منظومة القيادة الرؤيوية النّبيلة: ثقافةً ومرجعيةً وكوادرَ ومصانعَ، هو مشروعنا الذي نجدّد به انتماءنا لإنسانيتنا وحضارتنا، ووفائنا للذين أفنوا أعمارهم بذلاً لأمّتهم وتضحيةً شريفةً لم يخونوا فيها الأمانة، ولم يفرّطوا في المسئولية.
وحين اخترتُ القادة الستة: عدنان مندريس، وفيصل بن عبد العزيز آل سعود، وأنور السادات، ورفيق الحريري، والمشير محمد حسين طنطاوي، والملك سلمان بن عبد العزيز، رموزاً بمشروع نبلاء، فإنّني أعني الدعوةَ إلى دراسة نماذج قيادية رؤيوية معاصرة، يمكن بمنهج مشروع نُبلاء دراسة صوابها وخطأها، إنجازاتها وإخفاقاتها، ما لها وما عليها، وأقرّر أنّ هؤلاء القادة الستة يظلّون جميعاً صفحاتٍ مضيئةً بالنُّبل في سجل تاريخنا، ندين لهم بالفضل، ونحفظ لهم العهد، ولا نسلّم أعلام مسيرة نُبلهم إلا مرتفعةً هاماتُها عزيزةً صواريها، مهما كلّفنا ذلك من بذل، أو جهدٍ بالتعلّم ليلاً ونهاراً، أو الدراسة بثلاثِ جامعاتٍ بالتوازي.
المصدر الرئيس: مدونة حسن الخليفة عثمان